هم يختارون .. ونحن نرتكس في خياراتهم

مرة أخرى .. استقطابات حادة تُحمل فعل سياسي واحد كل خيبات وآمال الوطن. اختصار مخل نرتكس فيه لنكتشف بعد انقضائه أنه لم يكن نهاية ولا بداية..نستسلم في نهايته لمنطق الأقوى وننساه مستسلمين لاختصار آخر لنكن معه أو ضده.. دون أن نُقيم أو نتعلم .. دون أن نصنع خيارات بعيدة عن تلك التي تصنعها لنا مراكز القوى وتشغلنا بها  !
هذا ما حدث مع الثورة..ثم مشاركة الأحزاب فيها ..ثم الدفاع المسلح عنها ..ثم المجلس الوطني.. ثم المبادرة الخليجية ..ثم الحصانة .. ثم الانتخابات..والآن الحوار الوطني .. وهكذا .. مقدسات وخيارات وحيدة تصنعها القوى المنظمة وتنساق لها القوى المتطايرة على طريقة النسخ واللصق سواء مع أو ضد.
سابقاً تم تقديم التسوية السياسية بصيغتها المشوهه باعتبارها مقدس ما دونه الحرب ، والآن يتم تقديم الحوار الوطني بصيغته المشوهه كمقدس أيضاً ما دونه الحرب ، وهذه مراوغة لئيمة تنجح كل مرة للأسف فقط لأنها تدغدغ مشاعر شعب خائر القوى .. خائف .. عاجز عن صناعة خيارات مختلفة .. وللأسف تدغدغ مشاعر الناشطين المستقلين الذين انتقل كثير منهم من الرفض العدمي للتسوية السياسية إلى القبول العدمي بتفاصيلها المشوهه...رفضوا التسوية بدون رؤية ثم هرولوا نحو تزكية عبد ربه منصور هادي بدون رؤية أيضاً .. ويهرولون نحو الحوار الوطني الآن  فقط استسلاماً للموجود الذي لم يشاركوا في صناعته  وفق منطق انعدام البدائل التي عجزوا عن صناعتها.
الحوار الوطني كان خطوة مهمة في سياق العملية الانتقالية لكن البديهي أن نجاحه مرتبط بأداء الدولة ، ابتداءً برئيس الجمهورية ومروراً بالحكومة  وكامل قوام السلطة التنفيذية ، وانتهاءً بالأحزاب والقوى المختلفة في الميدان، هذه الأطراف كان يجب عليها أن تقوم بمسؤولياتها تجاه اليمن والمواطن اليمني بالتوازي مع التحضير لمؤتمر الحوار الوطني ، لكن ما حدث عملياً هو أداء ضعيف وفساد واسع في آداء أجهزة الدولة ومحاصصة للوظيفة العامة بالمخالفة للقوانين ومباديء العدالة ، وتزايد لانتهاكات حقوق الإنسان ،وسوء الخدمات في مختلف المجالات، ومشاريع عدالة انتقالية مشوهه ، ومحلك سر فيما يخص خطوات التهيئة جنوباً وشمالاً، وبدلاً من التهيئة لحوار وطني ناجح يضم مختلف القوى ، تم الدفع باتجاه حوار وطني تسيطر عليه مراكز القوى وتتعامل معه أجهزة الدولة  المختلفة كمزبلة تحشر بداخلها مسؤولياتها التي تتهرب من القيام بها.
وضعت اللجنة الفنية للإعداد والتحضير للحوار الوطني نقاط للتهيئة وتحضير البلاد للحوار الوطني جنوباً وشمالاً ورفعتها إلى رئيس الجمهورية ، قضايا حقوقية تم التأكيد أنها لا تحتاج إلى حوار وطني ولكنها تحتاج إلى خطوات جادة من القيادة السياسية ، لكن شيئاً لم يحدث باتجاه هذه التهيئة بل سارت بعض الأمور عكسها ، وها نحن على مشارف حوار تغيب عنه فصائل الحراك الجنوبي التي لم يُبذل أي جهد محترم لا محلياً ولا دولياً لبناء الثقة بين قواعدها وقياداتها وبين دولة ما بعد الثورة ، وبعد أن انتهى رئيس الجمهورية  عبد ربه منصور هادي من تحويل المبعوث الأممي جمال بن عمر إلى موظف مخلص لديه ، و هدد علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض ببيان دولي، قفز إلى قيادة مؤتمر الحوار الوطني تاركاً خلفه مهامه الأساسية  كرئيس جمهورية والتي طالما برر تقصيره في إنجازها بكثرة مهامه ومسؤولياته!

حوار هذا أم مقامرة؟ وهل قدرنا أن نستسلم لألعاب مقامرة تديرها مراكز قوى وتقدمها لنا وكأنها النهاية والبداية فنقبلها وفق حجة بائسة متكررة أسمها ما البديل؟ البديل كان حواراً محترماً ، وفي ظل غياب كل شروط الاحترام دعوني أسأل ماذا نحتاج أكثر؟ لقيادة سياسية وحكومة وسلطة تنفيذية تقوم بواجباتها أم لحوار وطني معوق؟
الحوار الوطني بهذه الصيغة ليس الحل، وليس الفرصة الأولى ولا الأخيرة ،  بل هو عبء إضافي يضاف إلى أعباء هذا البلد ..وملهاة تلهي الناس عن البديل الحقيقي، والذي هو العمل على إلزام الدولة بالاتجاه في المسار الصحيح.. مراقبة أداءها ..نحن نحتاج إلى دولة .. والدولة تملك كل المقومات التي تمكنها من القيام بواجباتها تجاهنا كمواطنين .. هي فقط تتمخطر سوءً وفساداً بسبب غياب الرقيب المحلي وتواطؤ الرقيب الدولي ، وإذا انشغل الجميع بالحوار فهذه أكبر هدية يمكن أن تقدم لنظام قديم جديد يشبه نظام علي عبد الله صالح لكنه يتأبط قوى ثورة وشخصيات مدنية ودروع تكريم ويتملص من مهامه !

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
1 + 7 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.