قانون العزل السياسي ( وفاءً لدماء الشهداء ) .
يزايد الجميع بدماء الشهداء بمناسبة وبغير مناسبة , ويجيرها كل لمصلحته , لم نسأل أنفسنا يوماً لو قدر للشهداء أن يتكلموا فماذا سينطقون وماهي مطالبهم ؟ وما الذي يمكننا عمله لترتاح نفوسهم دون ادخال البلاد في مزيد من الحروب والمشاكل ؟
بالتأكيد هناك من سيطلب المستحيل بغض النظر عن الخسائر , لكني على قناعة أن غالبية الشهداء ستكون مطالبهم متواضعة وتمثل الحد الأدنى من الأهداف التي استشهدوا من أجلها , ولأنهم أصدق منا جميعاً فبالتأكيد سيضعون في اعتبارهم مصالحنا نحن الأحياء .
عندما نقول لهم لقد أعطينا الحصانة لمن قتلكم , لمن نهب أموالكم وحقوقكم , لمن هتك عرضكم , بالتأكيد سيتألمون .
لكن اذا قلنا لهم لقد وُضعنا بين خيارين إما الحصانة وإما الدخول في حروب كثيرة قد تؤدي الى ضحايا أكثر بكثير , سيعذروننا لأنهم أكرم منا بكثير , فقد ضحوا بأنفسهم من أجلنا .
أما إذا قلنا لهم أننا أعطيناهم الحصانة ولم نمنعهم من مزاولة العمل السياسي أو الأمني بحيث يمكن لهم ان يكرروا جرائمهم مستقبلاً , وأنه بإمكانهم ان يترشحوا ويستخدموا الأموال التي غسلناها بالحصانة ليعيدوا انتاج أنفسهم من جديد وبطريقة ديمقراطية ! ماذا سيكون رد شهدائنا يا ترى ؟
أعتقد أنهم سيشعرون بالندم على ما صنعوا , بل قد يقولون لنا خنتم دمائنا , فقد ضحوا بأنفسهم من أجل أن لا تتكرر تلك الجرائم , لكننا الأحياء صفرنا ذمم المجرمين ومنحناهم الفرصة للاستمرار وانتاج انفسهم من جديد .
لذلك أدعوا الجميع شخصيات ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب ونقابات وكل الفعاليات الى تبني قانون يكون الهدف الرئيسي منه العزل السياسي والوظيفي لمن شملتهم الحصانة , فلا يعقل أن نمنح الحصانة لشخص ثم يترشح من جديد أو يستمر في عمله أو يعين في وضيفة أخرى .
عندما يمنح شخص الحصانة معنى ذلك أنه مجرم , ومنحه الحصانة الهدف منه عدم جره الى الاستماتة في الدفاع عن نفسه وجرنا معه الى ما لا يحمد عقباه , لكن ليس معناها تصفير ذمته ليبدأ بقتلنا أو نهبنا أو ممارسة نفس جرائمه التي مُنح الحصانة بسببها .
كلامي ليس موجهاً تحديداً ضد صالح وأبنائه , كلامي موجه ضد كل من يتعلل أو سيتعلل بالحصانة إذا رفعت عليه دعوى أمام القضاء , فجميع أطراف الأزمة بحاجة للحصانة وإن كابروا , فهم شركاء في أغلب الجرائم المرتكبة بحق هذا الشعب , وما تحجج حميد الأحمر بالحصانة في موضوع حادثة النهدين – في لقائه مع جريدة الشرق الأوسط - الا اكبر برهان على تمسك الجميع بها .
يستحون من الحصانة وفي نفس الوقت يلجؤون اليها بطريقة غير مباشرة .
فإذا لم يطلب شخص الحصانة لماذا نعطيها له , يجب أن تكون الأمور واضحة في هذا الملف تحديداً لأنه متعلق بدماء الآلاف ولا يجوز تركه هكذا .
لذلك سيكون من ضمن مواد هذا القانون أن تعطي مهلة زمنية محددة للأشخاص الذين يفترض أن تشملهم الحصانة ليختاروا ما بين أمرين لا ثالث لهما :
الأول : أن يطالبوا بأن تشملهم الحصانة , وبناءً عليه يعتزلوا الحياة السياسية والوظيفة العامة .
الثاني : أن الحصانة لا تشملهم وليسوا بحاجة اليها , وفي هذه الحالة يعاملوا على أساس براءتهم من كل ما يشاع عليهم , لكن من حق أي شخص أو جهة أن ترفع دعوى قضائية ضدهم للمطالبة بأي حقوق أُعتدي عليها خلال الفترة الممتدة من بداية الوحدة وحتى اليوم بما في ذلك جرائم الاغتيالات التي وقعت في التسعينات ضد اعضاء في الحزب الاشتراكي , ولا يجوز لهم التحجج بالحصانة مجدداً أو المطالبة بفتح ملفات غيرهم مِن الذين طلبوا أن تشملهم الحصانة .
طبعاً هذا القانون المقترح لا يتناقض مع المبادرة الخليجية أو مع القانون الصادر في مجلس النواب لأنهما لا يلزماننا بأن نبقي عليهم في مناصبهم أو أن نلتزم بعدم عزلهم سياسياً , ولذلك فمن حق مجلس النواب اصدار هذا القانون الجديد ولا يوجد ما يمنعه من ذلك , كما يمكن أن تكون مواد هذا القانون من ضمن قانون العدالة الانتقالية المزمع اصداره .
أعتقد أن ذلك هو الحد الأدنى من الأهداف التي ضحى الآلاف بدمائهم من أجلها ولا يجوز لنا التساهل أكثر من ذلك لأننا سنقترب من خيانة تضحياتهم .
اعطيناهم الحصانة وغسلنا أموالهم , فليعيشوا ملوكاً بالأموال المنهوبة على مدى عقود , لكن لا يجوز ابداً ان نسمح لهم بالاستمرار مع احتمال تكرارهم لما فعلوا مهما كانت التضحيات .
تلك مطالب واقعية وليست شعارات بل وفيها قدر كبير من المجاملة لهم .
ليس عيباً أن نتسامح مع ما مضى لكن العيب أن نفرط في المستقبل من جديد .
ان اصدار مثل هذا القانون سيعيد اللحمة الوطنية ويريح ضحايا كل تلك الحروب .
هذا القانون فيه مصلحة حتى للأحزاب السياسية حيث ستتخلص من المجرمين والمفسدين فيها بل وبطلب منهم .
كذلك فأن كل فاسد سيحتفظ بما نهبه لنفسه ولن يستخدمه في الحياة السياسية لأنه ممنوع من الترشح أو شغل الوظيفة العامة , وعندها سيقل تأثير المال المشبوه على الحياة السياسية الى الحد الأدنى .
إذا لم يتم اصدار هذا القانون أو ضم مواده الى قانون العدالة الانتقالية فمعنى ذلك أننا فعلنا أكثر من ما طالب به البركاني – تصفير العداد - , فقد صفرنا نحن ذممهم دون مقابل .
- قرأت 656 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ