مصر واليمن و "حرب المياه"

تتمتع اليمن بموقع استراتيجي هام جداً جعلها محل أطماع إمبراطوريات التاريخ القديم, ما جعل موقعها هذا يشكل عبئاً ثقيلاً عليها إبان الصراع الفارسي والرومي, حيث كانت هاتان القوتان تشكلان أهم وأعظم إمبراطوريات التاريخ القديم, أما وفي تاريخنا الحديث فقد لفتت الجزيرة العربية أنظار العالم إليها, وذلك لما تمثله من اكتشافات لقيمة نفطية عالية, حيث تسيطر دول الخليج على 50% من تجارة النفط العالمي, وهذه النسبة كبيره بما يكفي لسد احتياج الدول العظمي التي سعت وتسعى للسيطرة على دول الخليج, ومد نفوذها فيها سواء من خلال تواجدها العسكري فيها, أو بإقامة قواعدها العسكرية الدائمة فيها وكما هو قائم في كثير من دول الخليج كقطر والكويت والبحرين وعمان.

وعلى الرغم من الثروة النفطية العالية لدول الخليج, والتي يتركز أكبرها في السعودية, إلا أن أهمية الجزيرة العربية تكمن في القيمة الإستراتيجية لليمن لا في نفط الخليج, فاليمن تتحكم في ثاني أهم مضيق في العالم, وهو "مضيق باب المندب", الواقع في جنوب البحر الأحمر. في حين تتحكم مصر في البوابة الشمالية للبحر الأحمر والمتمثلة في قناة السويس, ما يعني أن اليمن وعبر بوابة البحر الأحمر الجنوبية "مضيق باب المندب" تربط أهم محيطات العالم والمتمثل بالمحيط الهندي, كونه مركز التجارة العالمية, بالمحيط الأطلسي وعبر البحر المتوسط, إضافة إلى أن باب المندب يمثل بوابة عبور للقارة الإفريقية, ومنطقة القرن الأفريقي.

ومن هنا فقد فرضت اليمن ومصر وعبر موقعهما الاستراتيجي على دول المصالح الإقليمية والدولية حصاراً شديداً جعل الكثير منها يلجأ لعدد من السياسات والإجراءات التي يضمن معها أمان مصالحه الخاصة في البلدين والمنطقة بشكل عام.

 

سقوط النظام السوري حماية للهيمنة الأمريكية

.

 نظراً لكون روسيا تشكل الخصم الأول لأمريكا, فإن روسيا تسعى لكسر شوكة الهيمنة الأمريكية لتتصدر المشهد, وتصبح الإمبراطورية الأولى في العالم وتعيد أمجاد الاتحاد السوفيتي, في حين تحاول أمريكا تحجيم تنامي الدب الروسي والعمل على تدمير اقتصاده القوى الذي يعتبر السلاح الفتاك الذي تملكه روسيا لمحاربة أمريكا.

 وحيث أن الغاز الطبيعي الذي تصدره روسيا للقارة الأوروبية هو المصدر الأول لقوة اقتصادها, فإن أمريكا تسعى وبشدة لقطع الطريق على صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الدفع بدولة قطر لتصدير غازها الطبيعي المسال إلى القارة الأوروبية لتصبح منافساً قوياً لصادرات الغاز الروسي, لكن ذلك لا يتم ولن يكون لأمريكا مالم تمر إمدادات الغاز القطري عبر "سوريا" أولاً, ثم تركيا ومنها للقارة الأوروبية, ومن هنا تصبح "سوريا" حجر عثرة, وعقبة كبرى أمام الهيمنة الأمريكية وصادرات الغاز القطري, ويصبح النظام السوري الرافض لمرور هذه الإمدادات هدفاً استراتيجياً لأمريكا يجب الإطاحة به لكسر الدب الروسي الذي يقف جنباً إلى جنب مع النظام السوري ويدعمه بكل قوة, كخط مقاومة أول لحماية روسيا.

ولذا فقد عمدت أمريكا وبكل قوتها إلى إسقاط النظام السوري وشنت عليه حرباً ضروساً, حتى بلغت عدد الدول التي تتحارب في سوريا 80 دولة كلاً يبحث عن مصالحه في المنطقة, وحين فشلت أمريكا في تحقيق مآربها في سوريا رغم كل ما بذلته من جهود قذرة ساعدها فيها عدد من الدول العربية كان أبرزها المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر, فقد عمدت أمريكا إلى البحث عن مخرج آخر لأزمتها هذه, خاصة مع سرعة تصاعد هيمنة الدب الروسي في المنطقة العربية, فكان التحالف الخفي مع إيــران والذي قايضت فيه أمريكا المملكة العربية السعودية "وربما رقعة واسعة من الخليج العربي", مقابل إزاحة رأس النظام السوري المتمثل في الرئيس بشار الأسد الرافض لجعل أراضية ساحة إمداد لأنابيب الغاز القطري إلى أوروبا, وهنـــا تتغـــير التوازنــات والتحالفات, فلا صداقة دائمة, ولا عداوة دائمة.

 

مصــر واليـــمن ساحــة للحــروب

 

يبدأ الرئيس بوتن ووزير خارجيته تنقلاتهما لعدد من دول الشرق الأوسط  لتدعيم عُرى التعاون مع هذه الدول تحسباً لهجمات المخطط الأمريكي الهادف لتقييض الاقتصاد الروسي, خاصة بعد أن عمدت أمريكا إلى الإيعاز لحلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي بخفض أسعار النفط و خفض إنتاجه بغيه ضرب الاقتصاد الروسي, في حين كان الرئيس الأمريكي "باراك أوباما", و وزير خارجيته الأمريكي "جون كيري" يقومان برحلات مكوكية مماثله في عدد من الدول ولنفس الغرض.

و تعد مصر واليمن هما الدولتان الأكثر تأثيراً في هذا الهدف الاستراتيجي الأمريكي بعد تغير التوازنات والتحالفات, حيث يشكل موقعهما الاستراتيجي مدخلاً جباراً لكسر هيمنة دول الخليج العربي وتهديداً مباشراً لأمنهم القومي, ولتنفيذ الاتفاق الإيراني الأمريكي, ويأتي على رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية, والتي لعبت دوراً كبيراُ في صناعة الجماعات الإرهابية وتمويلها وتدريبها, لذا فإن أمريكا وكما يبدو من تحركاتها قد قررت تسليم المملكة لهذه الجماعات لتقييض وجودها وليرتد السهم إلى خاصرة المملكة ودول مجلس التعاون, فتغدو رخوة سهلة الانهيار أمام إيران, والتي ستعمد دون شك لفرض واقع جديد يجعل السعودية ترضخ صاغرة لطاولة الحوار معها, ولربما لتوقيع اتفاق معها يحد من طغيانها وهيمنتها في المنطقة, وأما إذا ما استكبرت السعودية وطغت فستشتد فيها الفوضى التي ستشعلها أمريكا بايعاز لجماعات تنظيم القاعدة وفروعها, والراغبة منذ زمن في إعلان عاصمة دولة الخلافة الإسلامية من قلب العاصمة السعودية, لتغدو المملكة ساحة مفتوحة لدواعش الإرهاب, ولعمليات الذبح والحز التي سبق وأن دعمتها في دول الربيع العربي.

 

الرئيس "هادي" والمشير "السيسي" أدوات صراع

.

  كي تفلح أمريكا في المضي قُدماً في تحقيق مآربها, فهي وكعادتها تعمد إلى تلاميذها الصغار والذين يذعنون لأوامرها دونما تفكير أو جهد, وتحت مبرر دعمها لهم ضد كافة الجماعات التي تدعى أنها مناهضة لها, وهنا نلاحظ أن عدداً من السيناريوهات يتكرر في كلا الدولتين "اليمنية والمصرية", وبنفس الآلية والتوقيت, ويمكن ملاحظة هذا بسهولة عبر مكالمات التصنت التي سربتها أمريكا على كلا الرئيسين "هادي, والسيسي" كمرحلة أولى بغية كسر شوكتهما قبل البدء في المرحلة التالية من مخططها والخاصة بأي تكليفات منها تجاههم, ولا يخفى على الكثير ما شكلته هذه التصنتات من فضائح تاريخية لكليهما.

 في اليمن وفي المرحلة الثانية نلاحظ أن أمريكا تدعي دعمها للرئيس اليمني "عبدربة هادي" ضد الجماعات التكفيرية المتمثلة في تنظيم القاعدة, وضد "جماعة أنصار الله" الثورية الهادفة إلى إسقاط منظومة الفساد في النظام السياسي اليمني وعلى رأسه الرئيس هادي, في حين هي تعمل على إمداد جماعات تنظيم القاعدة بالمال والسلاح والمعسكرات التي تستولي عليها دونما جهد أو تعب لتعزز وجود هذه الجماعات في المنطقة الوسطى والجنوبية من اليمن,  كما أنها تعمل بالموازاة مع ذلك إلى الانسحاب من طريق جماعة "أنصار الله" لتسهل لهم الوصول إلى سدة الحُكم في شمال الشمال, فتتشظى الجغرافيا اليمنية بين جماعات تحتل كلاً منها موقعاُ جغرافياً يمهد إلى فدرالية جديدة وبديلة عن الفيدرالية الأكثر سوءاً والتي كانت قد فرضتها دول الاستكبار عبر ما تدعيه من فيدرالية لتقسيم السلطة والثروة, لتصبح اليمن وكما أعلنت المملكة العربية السعودية في أحد تصريحاتها أنها ستتعامل مع اليمن وفقاً لثلاث مناطق يحكم "أنصار الله" منها شمال الشمال, وتحكم القاعدة منها "الوسط والجنوب", في حين تبقى حضرموت دولة مستقلة يجري الحديث والتفاهم حول ضمها لمجلس التعاون الخليجي لاحقاً.

أما في مصــر و بعد المكالمات التي قامت أمريكا بتسريبها ضد المشير السيسي, والتي يتحدث فيها عن أن "الفلوس في الخليج زي الرز" ويجب استغلالها!!,  تأتي المرحلة الثانية لنجد أمريكا تشعل ثائرة الشعب المصري بحادثة ذبح "21 قبطياً مصرياً", على أيدي الجماعات الجهادية المتطرفة في ليبيا, وحينها أضطر السيسي للاستجابة للنصائح الأمريكية بالذهاب للفخ وقصف هذه الجماعات على الأراضي الليبية, ومن ثم اتهام قطر بالدولة الإرهابية الممولة والداعمة لهذه الجماعات المتطرفة.

هذه الحادثة لها من الدلالات والأهداف الاستراتيجية الكثير, ففي المقام الأول شكلت شرخاً كبيراً بين مصر من ناحية وبين دول الخليج العربي من ناحية أخرى, خاصة مع ما قد يشكله هذا الشرخ من تطورات تصيب  أهمية العمق الاستراتيجي لـ "قناه السويس" لدول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية, والتي قد تلجأ معه أمريكا إلى تعميق وتجذير الخلاف ليطال "حركة حماس" وإدخال مصر معها في أتون حرب ضروس, قد تدفع معه أمريكا المشير السيسي إلى قصفها كما سبق وأن فعلت مع متطرفي ليبيا, ما يعني إدخال مصر في جبهات حرب متعددة تشغلها عن توثيق عُرى العلاقات مع روسيا, والتي كانت قد بدأت في تطبيعها في زمن قريب, بهدف كسر العلاقات الأمريكية المصرية, كما أن هذه الحوادث وما قد يليها يشغل مصر كثيراً عن ما يحدث في اليمن, وتحديداً دعم مصر لجماعة "أنصار الله" والتي أكد عليها السفير المصري في صنعاء قُبيل أن تأتي الأوامر الأمريكية الضاغطة على مصر لغلق سفارتها في صنعاء.

 

هكذا ومن كل ما سبق نجد أن الحرب العالمية الثالثة هي "حرب مياه " هدفها "النفط والغاز", وتلعب الدول العربية فيها ساحة الحروب, وبأيدي زعامات عربية عميلة و "غبية" لن يدوم أمدها.

 

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
5 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.