رشوة التجار لنازحي أبين!

مرة أخرى يقدم رجال الأعمال اليمنيون الرشوة لرئيس الجمهورية في وضح النهار. عند الانتخابات الرئاسية 2006م أعلن اتحاد الغرف التجارية عن مساندته ترشح الرئيس السابق علي عبدالله صالح والتبرع بمليار ريال لحملته الانتخابية. لا هم كانوا مقتنعين بصالح ولا هو بالرجل الذي يؤمن جانبه. وسرعان ما سخر صالح منهم ومن مليارهم وعاد مجدداً لإخافتهم بتطبيق ضريبة المبيعات ورفع أسعار المشتقات النفطية.
ويوم أمس أعلن فجأة، إثر لقاء رئيس الوزراء محمد باسندوة بممثلي القطاع الخاص، عن تبرع بـ97 مليون ريال يمني جمعت في يوم واحد من قبل اتحاد الغرف التجارية، في أكبر حملة إغاثة، لمساعدة نازحي أبين. (تبرع عبد الوهاب ثابت بـ20 مليون ريال، ومجموعة الرويشان بـ15 مليون ريال و3000 كيس دقيق وقمح واسمنت، ومجموعة الحباري10 ملايين، والمركز التجاري للسيارات 10 ملايين، وعبد المجيد السعدي 10 ملايين، ومؤسسة الخير 5 ملايين ومحمد صلاح 5 ملايين، وعبد الحق سعيد 5 ملايين ريال، وشركة تنمية للنفط 5 ملايين، وشركة العاقل التجارية 3 ملايين، وشركة الوتاري 3 ملايين، وكل من: داديه، ومجموعة محمد سيف ثابت، وفوزية ناشر بمليوني ريال كل على حدة).
عمل إنساني عظيم كنت لأسبح بحمده سنة كاملة لو كان لوجه الله أو لوجه نازحي أبين. كنت لأحترم ذكاءهم لو أنهم تفننوا على الأقل في إخراج الحملة كمبادرة إنسانية أقدموا عليها من تلقاء أنفسهم وأعلنوها في مؤتمر صحفي لهم وليس أثناء لقاءهم برئيس الوزراء الذي حرص على الظهور، في الخبر الذي بثته وكالة سبأ، بوصفه صاحب الدعوة الذي وجه التجار فسحبوا دفتر الشيكات استجابة له ليس إلا. ما هذا الابتذال؟ حتى وهم ينافقون لا يحسنون النفاق!
رجال الأعمال في اليمن طبقة محض انتهازية لا تنتمي للمجموع العام وهمومهم. إنهم تجار شنطة لا بناة مجتمع حديث. يتعاملون مع اليمنيين بوصفهم سلعة أو زبون قليل الشأن والأهمية. وما حملتهم التنكرية هذه إلا رشوة جديدة للحيلولة دون تطبيق ضريبة المبيعات.
منذ أكثر من عام ونازحو أبين مكتوفي الأيدي ولا قدرة لهم على فعل شيء سوى تمضية أيامهم بمدارس عدن في التأوه والانشغال بالأخبار القادمة من أبين عن الحرب وأخطاء الغارات الجوية وقصص أخرى عن معاناة السكان المحليين التي وصلت إلى فراش الزوجية. إذ إن تحليق الطائرات المستمر جعل معظم السكان يمتنعون عن معاشرة زوجاتهم ليلاً مخافة أن تخطئهم غارة وهم في وضع حرج!
160 ألف نازح، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، يعيشون ظروفاً بالغة الصعوبة ولم يكترث بمعاناتهم أحد سوى منظمات المجتمع المدني والإغاثة الإنسانية. ويكفي أن يتخيل أحدنا كيف ستكون حياته إن حشر هو وأسرته وأبناؤه في غرفة أو فصل دراسي. إنهم يقفون بالدور لدخول دورة المياه وليس خفياً أن أقذر حمامات في اليمن وربما بالشرق الأوسط تلك التي في مدارسنا!
ما الذي يجبر بيل جيتس على شراء مخطوطة من 3 ورق ليوناردو دافنشي بـ19 مليون دولار ثم يهديها لجامعة فرنسية درس فيها قبل التحاقه بهارفرد؟ مسئوليته تجاه الفن. تجارنا لا ينتمون إلى الأدب والفن والحضارة اليمنية ولا لشيء من هذا. كانوا يتنافسون على مقيل علي عبدالله صالح، ثم أبناءه لاحقاً، من أجل الحصول على تكليف مباشر بشق طريق، أو التعاقد بالباطن مع المؤسسة الاقتصادية لشراء بدلات ومعدات عسكرية. الآن يتنافسون على باب علي محسن!
هل سمعتهم عن تاجر يمني اشترى قطعة أثرية يمنية مهربة من متحف إيطالي وأعادها للمتحف الوطني؟ يا إلهي كم أتمنى أن تبتلعني الأرض كلما تذكرت أن لدى الراحل العظيم عبدالله البردوني 6 أعمال أدبية هامة لم تر النور حتى الآن وأن بيته الذي من المفترض تحويله إلى متحف محجوز في المحكمة ولم يبادر إلى شراءه أحد التجار المنافقين الذين تبرعوا بالملايين، سراً وعلانية، عند بناء جامع الصالح!
انظروا إلى الحضور اللطيف والنزيه لنجيب ساويرس في الحياة العامة بمصر. ليس لدينا في اليمن مثله. لدينا محمد صلاح الذي كان للأمس القريب لا يذكر علي عبدالله صالح إلا مقروناً بـ"حفظه الله". بيت هايل يهربون من الشأن العام. وحميد الأحمر أفسد لعشر سنوات، مقدماً، أي حضور جميل لرجال المال في السياسة (هذا إذا اعتبرنا حميد تاجراً مجاملة ولم تصنف معظم ثروته كمال طفيلي من صفقات النظام). يلتهم بازرعة مليوني دولار سنوياً كمخصصات إعلانية من شركة تويوتا الأم وطبعاً يظن في قرارة نفسه أنه يمن على الصحف بإعلان كرت بعشرة ألف ريال. أما معشوق الجماهير شاهر عبدالحق فقد أدرك كم هو محبوب شعبياً فقرر استثمار حب اليمنيين له وأعلن نيته الترشح لرئاسة الجمهورية!
حسن الكبوس وشارب وعدد من قيادة الغرفة التجارية بصنعاء التقوا، قبل حرب الحصبة بأزيد من شهر، الرئيس السابق معلنين في الصفحة الأولى من جريدة الثورة تأييدهم للشرعية. لست هنا في سياق المحاكم الثورية الغبية. من حقهم تأييد صالح والوقوف معه وإن كان ينبغي عليهم مراعاة مشاعر اليمنيين المؤيدين للثورة لا باعتبارهم على الحق وإنما بوصفهم مستهلكين لسلعهم ومنتجاتهم التجارية. المستفز، والذي دفعني إلى ذكر هذه الحادثة، أن حسن الكبوس قال في مؤتمر صحفي قبل أسابيع فقط إثر خلافهم مع الحكومة إنهم أول من ساند وآزر الثورة الشبابية على نظام صالح. يا رجل اتق الله. راجع نفسك! أرشيف صحيفة الثورة يشهد ضدك لكن لم يقم أحد الحاضرين ليذكره بتأييده لشرعية صالح لأن المجتمع والنخب عندنا بلا ذاكرة!!
إنه مسلسل هزلي رديء. هكذا تقرر حكومة الوفاق تطبيق ضريبة المبيعات فيثور التجار داعين إلى نصب الخيام أمام مصلحة الجمارك بينما كانوا طوال العام الماضي أكثر الناس تبرماً من ساحات الاعتصام. قبل سنتين أوقفت الحكومة 8 صحف في يوم واحد ولم يكلف أحد منهم نفسه أن يرفع سماعة الهاتف متضامنا فقط. وما أن تقرر الحكومة تطبيق ضريبة المبيعات حتى يهرعون إلى الصحافيين الذين ينظرون إليهم بوصفهم مبتزين، بل إن الغرفة التجارية عقدت قبل شهر فعالية صاخبة عن علاقة الشراكة بين الصحافة والقطاع الخاص!! أسألوا سامي غالب مَن مِن أصدقائه التجار سأله ولو من باب الفضول عن سبب توقف صحيفته النداء.
لا نريد منكم شيئاً ولسنا بحاجة لكم ولا لغيركم والحمد لله إنما كفوا عن المزايدة والكذب واستخدامنا كواقي لعلاقتكم -مشروعة أو غير مشروعة- بالسلطة.
أتمنى من أحدكم هذه الليلية عندما تضعون رؤوسكم على المخدة وتختلون بأنفسكم أن يسال نفسه بصدق ودون خداع: هل كنت لأتبرع لنازحي أبين لو لم يكن عبد ربه منصور هادي من أبناء محافظة أبين؟
جربوا هذه الوصفة العلاجية أيها المرضى بحب الذات!!

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
4 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.