اللعب على التناقضات

 

يجافي الصواب من يعتقد أن القوى الاستعمارية راغبة في استقرار المنطقة المسماة الشرق الأوسط بعربها وفرسها وتركها وغيرهم فاستقرار المنطقة وانسجام شعوبها وتعاون دولها يعني نهضتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وتقدمها في المضمار الحضاري

 

ما يعني جسر الهوة المعرفية والتقانية مع الغرب وعدم حاجتها له في تأمين متطلباتها كدول وشعوب حيث يمثل المصدر الأساسي لوارداتها الأساسية سواء أكانت استهلاكية أم صناعية أم عسكرية وغيرها.‏

 

لقد سعت الدول الاستعمارية تاريخياً على إبقاء دول المنطقة في حالة من التخلف وقاومت كل المشاريع النهضوية والوحدوية في المنطقة بدءاً من مشروع محمد علي في مصر بداية القرن التاسع عشر وصولاً للقرن العشرين حيث ساهمت في إجهاض كل تجربة وطنية لبناء دولة وطنية قوية تعتمد على ذاتها سواء الجزائر أم العراق ومصر وسورية ولاحقاً إيران.‏

 

والى جانب عرقلة مشاريع بناء دولة قوية عملت القوى الاستعمارية على إجهاض أي مشروع وحدوي بين الأقطار العربية لأنها وجدت فيه فرصة لقيام دولة قوية تمتلك إمكانات المنافسة نظراً لما تمتلكه المنطقة العربية من ثروات مادية وبشرية وموقع جغرافي مميز ناهيك عن الجذر الحضاري والتاريخي للأمة العربية ولم تقف المسألة عند حدود عرقلة أو منع قيام أي شكل من أشكال الوحدة أو الشراكة والتكتل بين دولها وإنما السعي لشرذمة الدولة الوطنية وانقسامها وتناحرها عبر الضخ المذهبي والعرقي وإثارة الفتن والصراعات المفتعلة.‏

 

لقد اشتغلت القوى الاستعمارية والكبرى عموماً على خلق أو تعزيز ثنائيات متناقضة بين دول المنطقة عبر إحيائيات عرقية ودينية ومذهبية بهدف إدخالها في صراعات بينية ولعل الضخ في محرقة الثنائيات تلك هو أبرز ما يميز الخطاب السياسي والإعلامي الغربي بهدف إثارة غرائزيات لم تكن في يوم من الأيام في حسابات أبناء المنطقة أو ثقافتهم وهم الذين عاشوا حالة من الاستقرار والانسجام مئات السنين ولم يسجل تاريخ المنطقة على الأقل خلال القرون الثلاثة الماضية أي حرب بين دول المنطقة المتجاورة سوى الحرب العراقية الإيرانية وبتحريض ودعم من القوى الغربية ذاتها وصولاً لما تمت الإشارة إليه أي التحريض الطائفي والمذهبي والعرقي.‏

 

إن إبقاء دول المنطقة تعيش حالة من اللا ثقة بين دولها وشعوبها وزرع حالة من الخوف بين أبنائها واختلاق مخاطر وتهديدات مزعومة هو الذي يساهم في إبقائها في حالة اللاستقرار تلك ويصعد حالة التطرف والعنف وثقافة الكراهية ما يعطل عمليات وخطط التنمية فيها ويركز إنفاق موارها على شراء الأسلحة والعسكرة على حساب الصحة والتعليم والصناعات الاستراتيجية وبناء الإنسان عبر تنمية مستدامة تصنعه في المقام الأول ليكون الأساس في بناء وطن قوي مستقل.‏

 

 

إن الاستراتيجية الغربية في المنطقة تقوم على قاعدة عرقلة قيام أي قوة إقليمية وازنة سواء أكانت عربية أم فارسية أم تركية أم غيرها يستثنى من ذلك إسرائيل الحليف الموثوق الوحيد في الحسابات الغربية والأميركية على وجه التحديد وعدا ذلك يحب لجم أو إحباط أي حالة نهوض في المنطقة والإبقاء على حالة من توازن القوى أو توازن الضعف بين دولها بحيث لا تتمكن أي دولة من دولها تشكيل حالة قيادة أو ريادة فيها تعطل أو تعرقل مشاريع الهيمنة الغربية عليها وجعلها سوق تصريف لمنتجاتها ومصانع أسلحتها بحيث تستمر عجلة الإنتاج بدون توقف وهنا يصبح العنوان الأبرز الذي يوصف المسألة الاستثمار في الدم والقتل ومكافأة المجرم ومعاقبة الضحية وهو المأزق الأخلاقي الذي يواجه الغرب ونخبه الثقافية في سياق عولمة متوحشة لا تعرف إلا الكسب المادي على حساب منظومة القيم التي تزين شعاراتها.‏

 

 

إن وعي اللعبة الدولية هذه أو وعيها دونما مواجهتها من ساسة وحكومات دول المنطقة وهي استراتيجية باتت مكشوفة يطرح السؤال الكبير؟ المنطقة إلى أين بعد كل هذا الذي جرى من قتل دمار وسعي واضح لمشاريع فتن مستقبلية تبدو واضحة لكل ذي بصيرة من خلال الاستثمار في الإرهاب والتطرف والعمل الحالي لتحويله من عمل تنظيمات وجماعات إلى إلصاقة بدول بعينها وهنا مكمن الخطر لجهة أنه سيتحول إلى مواجهات وحروب بين دول بعينها يدخلها جميعاً في نفق مجهول.‏

khalaf.almuftah@gmail.com