بيان مجلس الأمن .. تهاوي ديبلوماسية الشيكات ( تحليل)
الرابط - متابعات ../
* لم تتوفر بعد النسخة الرسمية للبيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي فجر الجمعة في شأن اليمن لكن القراءة التحليلية الأولية للمقتطفات التي نشرتها وسائل الاعلام عن هذا البيان تشير إلى مكاسب كبيرة حققها الأداء السياسي الجيد لفريق التفاوض المشارك في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة خصوصا إذا عرفنا أن هذا الأداء تحقق في غياب كامل للديبلوماسية اليمنية في الخارج والتي تم تجنيد امكانياتها لصالح مشاريع العدوان في حملات سياسية وديبلوماسية كبيرة ما انفكت تكرس عزلة اليمن وتقديم ما يدور فيه إلى العالم بصيغة مغايرة كليا للواقع.
ولعل أبرز ما تضمنه بيان مجلس الأمن مساندة الجهود الأممية التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ بعد دعوته إلى ” اتخاذ خطوات عاجلة من أجل استئناف وقف إطلاق النار في اليمن” في اشارة إلى دعم الدول الأعضاء في المجلس للجهود التي يقودها المبعوث الأممي من اجل تحقيق هذه الغاية.
ولم يقدم بيان المجلس جديدا للخروج من دوامة التعقيد التي خلفها العدوان السعودي في ظل استمرار انقسام الدولة في سطلتين الأولى في الداخل مناهضة للعدوان والثانية في الخارج مؤيدة له لكنه أبدى ليونة نسبية وتوازنا في تعاطيه مع هذا لوضع بتأييده المقترحات التي قدمها المبعوث الأممي في احاطته ودعوته ” جميع الأطراف اليمنيين إلى المشاركة في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة دون شروط مسبقة وبحسن نية، بما يضمن حل خلافاتهم من خلال الحوار والتشاور” على خطى المقترحات التي قدمها المبعوث الأممي والذي أكد على حوار يقود إلى وقف شامل لإطلاق النار.
بيان المجلس ابدى ليونة كذلك في تحديده المرجعيات الاساسية للمحادثات بـ ” المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة” من دون الاشارة بوضوح إلى حتمية تنفيذ القرار الأممي 2216 الذي يعتقد أنه اضاف تعقيدات للأزمة اليمنية بل ووضعها امام طريق مسدود.
وللمرة الأولى تضمن بيان مجلس الأمن انذارا للتحالف الذي تقوده السعودية طغت عليه اللغة الديبلوماسية بعد ان نص على مطالبة ” جميع أطراف النزاع الامتثال لقواعد القانون الإنساني الدولي واتخاذ جميع التدابير الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين والمنشآت المدنية” وهي القضايا التي كانت موضع انتقادات شديدة وجهت إلى التحالف الذي تقوده السعودية بارتكاب مجازر ضد المدنيين واستخدام اسلحة محرمة دوليا ناهيك بتسبب الغارات التي تشنها على المدن اليمنية في تدمير جزء كبير من مرافق البنية التحتية والمنشآت الاقتصادية في اليمن.
ورغم الجهود الديبلوماسية التي بذلتها دول التحالف من اجل تحييد إجراءات التفتيش التي تجريها على السفن القادمة إلى اليمن والتي تسببت إلى حد كبير في تأخر وصول البضائع والمؤن وكذلك مساعيها الحصول على إدانة اممية لجماعة أنصار الله والرئيس السابق علي عبدالله صالح بذريعة ” فرض حصار على بعض المناطق مثل تعز وتسببهم في عرقلة وصول المساعدات الانسانية" إلا أن هذه المحاولات ذهبت ادراج الرياح، بعدما أقر المجلس صيغة متوازنة طالب فيها “جميع الاطراف الوفاء بالتزاماتهم لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك تدابير ضمان وصول مزيد من المساعدات الإنسانية بشكل سريع وآمن ودون عوائق”.
أكثر من ذلك أن بيان مجلس الأمن وجه بلغة ديبلوماسية تحذيرا إلى السلطات السعودية المسؤولية عن ادارة عمليات التفتيش التي تخضع لها السفن القادمة إلى الموانئ اليمنية ” بمطالبته جميع الاطراف أيضا” تسهيلا اجراءات وصول البضائع التجارية والوقود للأغراض المدنية إلى جميع أنحاء اليمن” بما في ذلك السعودية كان البيان واضحا بدعوتها إلى الحد من الاجراءات المعقدة التي تحول دون وصول سفن البضائع التجارية الوقود إلى انحاء البلاد.
يضاف إلى ذلك استجابة مجلس الأمن للمخاوف التي عبرت عنها عواصم أوروبية عدة من تنامي خطر ” القاعدة” و” داعش” إذ عبر البيان بلغة واضحة عن” قلق دول المجلس البالغ إزاء الوجود المتزايد لتنظيمي ” القاعدة” و”داعش” في شبه الجزيرة العربية”.
ومن جانب آخر فقد حسم بيان مجلس الأمن الملفات ذات الصلة بتداعيات القضية الجنوبية والتوجهات المؤيدة للانفصال التي كرسها مؤخرا واقع الانفصال السياسي الناتج عن خضوع المحافظات الجنوبية لسلطات الاحتلال وخروجها مركز السلطة في العاصمة صنعاء إذ اكد التزام دول المجلس “القوى بوحدة وسيادة آراضي الجمهورية اليمنية”.
وسوى هذه القضايا فقد كانت المحاور الاخرى المتضمنة في البيان الأممي شكلية ومنها دعوته جمع الأطراف إلى الحد من ظاهرة تجنيد واستخدام الأطفال في الحروب.
ويتعين الاشارة إلى أن ما تحقق لليمن يعد مهما في المعايير الديبلوماسية خصوصا وان السلطات السعودية جندت خلال الفترة الماضية امكانيات وطاقات ديبلوماسية وسياسية واعلامية ومالية هائلة في اطار محاولاتها التي فشلت تماما في الحصول على التأييد للحرب التي تقودها على اليمن وتضييق الخناق على رموز الداخل ممثلين بجماعة انصار الله والرئيس السابق علي عبدالله صالح كما بذلت جهدا كبيرا من أجل عدم الاشارة إلى ضلوعها في جرائم حرب ضد الانسانية استنادا إلى تقرير اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة الذي وجه اتهامات مباشرة للرياض باستخدام اسلحة محرمة دوليا في قصف المدن اليمنية.
ورغم ما اعتبر نجاحا ديبلوماسيا لصالح اليمن في البيان الاخير لمجلس الامن في مواجهة تحالف الحرب الذي تقوده السعودية بكل ما حشدت له من موارد ديبلوماسية وسياسية ومالية كبيرة داخلية وخارجية خلال الأيام الماضية إلا أن بعض الدوائر الديبلوماسية أبدت خيبة أملها حيال البيان خصوصا بعد تبنيها مطالبات باصدار قرار اممي واضح وملزم يترجم ما ذهبت اليه جهود الأمم المتحدة والتي افصح عنها مبعوثها الخاص إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ في احاطته المقدمة للمجلس وشددت على وقف اطلاق النار والعودة بالأطراف إلى طاولة المفاوضات السياسية ناهيك بكشفها عن نتائج كارثية تهدد الأمن في المنطقة والعالم نتيجة المضي بالخيار العسكري لحل الأزمة.
* موقع المستقبل
- قرأت 1471 مرة
- Send by email